حين يفقد المعلم نفسه ! - 17 سبتمبر 2011

صحيفة عكاظ

حين يفقد المعلم نفسه ! - 17 سبتمبر 2011

2021-11-10    507

اسمحوا لي أن أرجع بكم إلى الوراء.. وتحديدا إلى عام 1924، حين أنشد شوقي رائعته الذائعة : (قف للمعلم وفه التبجيلا).
استوقفني في هذه القصيدة بيت غير ذائع ولا شهير، هو قوله:


يا أرض مذ فقد المعلم نفسه ... بين الشموس وبين شرقك حيلا

تعجبت من هذه الإشارة البلاغية البديعة، وتساءلت: كيف يفقد المعلم نفسه؟!.
ثم .. لماذا إذا فقد المعلم نفسه حيل بين البلاد وشمس الحضارة والتقدم؟.
هذه (الفكرة المركزية) أظن أن مجال القول فيها لم ينضب بعد، وأنها منطقة بكر صالحة لكثير من التحليل والنظر والتفكير.
فلننظر معا .. كيف يفقد المعلم نفسه؟.
إن المعلم الحق مزيج من خمسة عناصر : دين يعصمه، وعقل يكرمه، وعلم يلهمه، وأخلاق تقومه، ومهارة تقدمه.
ويفقد المعلم من نفسه بمقدار ما يفقد من هذه العناصر .. فإذا فقدها كلها فقد نفسه.
وإذا تأملنا ما سبق أدركنا أن (التطرف) من أعظم الأسباب التي تفقد المعلم نفسه . سواء كان تطرفا لليمين بالغلو في الدين، أو كان تطرفا إلى اليسار بالانحلال والتفلت من الدين.
ذلك أن التطرف عدوان على هذه العناصر كلها ..
فالتطرف عدوان على الدين لأنه مخالفة لأوامره ونواهيه.
وعدوان على العقل لأنه جنوح عن الصواب.
وعدوان على العلم لأنه قفز فوق النصوص الشرعية وكلام الأئمة.
وعدوان على الأخلاق لأنه يفضي إلى امتهان حقوق الآخرين.
وعدوان على المهارة لأنه يجعل صاحبه يطوع براعته في اجتراح ذلك العدوان .. بل في تبريره أيضا!.
ولأجل الحفاظ على هذه العناصر يجيء مؤتمر المعلم الرابع، الذي تعقده جامعة أم القرى تحت شعار: (أدوار ومسؤوليات المعلم في التعليم العام والعالي تجاه ظاهرة العنف والتطرف في ضوء متغيرات العصر ومطالب المواطنة).
والمؤتمرات الحقيقية أيها السادة ليست مجرد أحاديث، وليست كلمات في الهواء، وليست أفكارا تلقى فتلقى!.
إنها مراجعة للذات، ومكاشفة للنفس، وملامسة للجرح، ومواجهة شجاعة مع العيوب والأخطاء والتجاوزات.
إنها (ماكينات) إصلاح، ومولدات حضارة.
وإنني متفائل جدا .. بأن يكون مؤتمرنا هذا مؤتمرا حقيقيا نخرج منه لا كما دخلنا.
وأسباب تفاؤلي أربعة :
أولها: أن هذا المؤتمر يحظى برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، هذا الملك الذي حمل راية الحوار في عصره، وجمع العالم كله على قاعدة التدافع الحضاري البناء، وأسس في بلاده أنموذجا راقيا للحوار عبر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. إن رعايته حفظه الله تمثل رمزية ملهمة، وتخلق أنموذجا حيا يحفز المؤتمرين على السعي الجاد لوقف غول التطرف من خلال المعلم.
وثاني أسباب التفاؤل: أن من ينظم هذا المؤتمر : جامعة أم القرى .. وهي الجامعة ذاتها التي احتضنت ثلاثة مؤتمرات سابقة عن المعلم، وهي كذلك الجامعة التي تضم كلية التربية المكية نواة التعليم العالي في بلادنا العريقة، وأقدم كلية تربية عرفها وطننا الحبيب، والمصنع الذي خرج كثيرا من رجالات الوطن العظماء. إن الخبرة المتراكمة لدى هذه الكلية ولدى جامعة أم القرى بإجمال تؤهل بإذن الله لنجاح هذا المؤتمر الثري.
وثالث أسباب التفاؤل: أن المؤتمر حظي بباحثين جادين، وعلماء مبدعين، ومعلمين متميزين، كلهم سيشاركون في فعالياته، وكل واحد منهم يمثل دعامة من دعامات نجاح هذا المؤتمر، وشمعة من شموعه المضيئة لدروب المعلمين.
ورابع أسباب التفاؤل هو هذا التوافق القدري بين مؤتمرنا هذا وبين تسمية وزارة التربية والتعليم لهذا العام الدراسي : عام المعلم .. مما يعني بإذن الله واقعا تطبيقيا عمليا لما سينتهي إليه المؤتمر من توصيات.
* مدير جامعة أم القرى


مشاركة :